فصل: قال البقاعي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: إن خمر الظاهر كما يتخذ من أجناس مختلفة كالعنب والتمر والعسل والحنطة والشعير وغيرها، فكذلك خمر الباطن من أجناس مختلفة كالغفلة والشهوة والهوى وحب الدنيا وأمثالها. وهذه تسكر النفوس والعقول الإنسانية التي هي مناط التكليف فلهذا حرمت في عالم التكليف، وأما ما يسكر القلوب والأرواح والأسرار فهو شراب الواردات في أقداح المشاهدات من ساقي تجلي الصفات إذا دارت الكؤوس انخمدت شهوات النفوس، فتسكر القلوب بالمواجيد عن المواعيد، والأرواح بالشهود عن الوجود، والأسرار بمطالعة الجمال من ملاحظة الكمال، وهذا شراب حلال لأنه فوق عالم التكليف، وإنه يمزج الكثيف باللطيف فيه {ومنافع للناس} وملاذ لأهل القرب والاستئناس.
فصحوك من لفظي هو الوصل كله ** وسكرك من لحظي يبيح لك الشربا

فما مل ساقيها وما مل شارب ** عقار لحاظ كأسه يسكر اللبا

قوم أسكرهم وجود الشراب وقوم أسكرهم شهود الساقي.
فأسكر القوم دور كأس ** وكان سكري من المدير

الكأس والشراب والساقي والمسقي هاهنا واحد كما قيل:
رق الزجاج وراقت الخمر ** فتشابها وتشاكل الأمر

فكأنما خمر ولا قدح ** وكأنما قدح ولا خمر

وإثم الإعراض عن كؤوس الوصال في النهاية أكبر من نفع الطلب ألف سنة في البداية. أما الميسر فإثمه كبير عند الأخيار وإنه بعيد عن خصال الأبرار، ولكن نفعه عدم الالتفات إلى الكونين، وبذل نفوس العالمين في فردانية نقش الكعبتين. {وإثمهما أكبر من نفعهما} لأن إثمهما للعوام ونفعهما للخواص، والعوام أكثر من الخواص. وبعبارة أخرى الإثم في الخمر الظاهر والميسر الظاهر، والنفع في الخمر الباطن والميسر الباطن، وأهل الظاهر أكثر من أهل الباطن والله أعلم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (222):

قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كان في ذكر هذه الآية رجوع إلى تتميم ما أحل من الرفث في ليل الصيام على أحسن وجه تلاها بالسؤال عن غشيان الحائض ولما كان في النكاح شائبة للجماع تثير للسؤال عن أحواله وشائبة للانس والانتفاع تفتر عن ذلك كان نظم آية الحرث بآية العقد بطريق العطف أنسب منه بطريق الاستئناف فقال: {ويسئلونك عن المحيض} أي عن نكاح النساء فيه مخالفة لليهود. اهـ.

.قال ابن عاشور:

قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} عطف على جملة: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} [البقرة: 221]، بمناسبة أن تحريم نكاح المشركات يؤذن بالتنزه عن أحوال المشركين وكان المشركون لا يقربون نساءهم إذا كُنَّ حُيَّضًا وكانوا يفرطون في الابتعاد منهن مدة الحيض فناسب تحديد ما يكثر وقوعه وهو من الأحوال التي يخالف فيها المشركون غيرهم، ويتساءل المسلمون عن أحق المناهج في شأنها. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى جمع في هذا الموضع ستة من الأسئلة، فذكر الثلاثة الأول بغير الواو، وذكر الثلاثة الأخيرة بالواو، والسبب أن سؤالهم عن تلك الحوادث الأول وقع في أحوال متفرقة فلم يؤت فيها بحرف العطف لأن كل واحد من تلك السؤالات سؤال مبتدأ، وسألو عن المسائل الثلاثة الأخيرة في وقت واحد، فجيء بحرف الجمع لذلك، كأنه قيل: يجمعون لك بين السؤال عن الخمر والميسر، والسؤال عن كذا، والسؤال عن كذا. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{حتى يطهرن} بالتشديد والأصل يتطهرن فأدغم التاء في الطاء: حمزة وعلي وخلف وعاصم سوى حفص. الباقون {يطهرن} بالتخفيف من الطهارة. {أنى} بالإمالة المفرطة: حمزة وعلي وخلف. وقرأ العباس بالإمالة اللطيفة كل القرآن. الباقون بالتفخيم {لا يؤاخذكم} وبابه وكل همزة تحركت وتحرك ما قبلها مثل {يؤخر} و{يؤده} وأشباه ذلك بغير همز: يزيد وورش والشموني وحمزة في الوقف.

.الوقوف:

{عن المحيض} ط {أذى} ط لأن لكونه أذى تأثيرًا بليغًا في وجوب الاعتزال {في المحيض} لا للعطف. {حتى يطهرن} ج لأن إذا متضمنة الشرط للفاء في جوابه مع فاء التعقيب فيها {أمركم الله} ط {المتطهرين} O {حرث لكم} ص لأن الفاء كالجزاء أي إذا كن حرثًا فأتوهن وإلا فقد اختلف الجملتان {شئتم} ز قد يجوز لوقوع العارض. {لأنفسكم} ط {ملاقوه} ط {المؤمنين} O {بين الناس} ط {عليم} O {قلوبكم} ط {حليم} O {رحيم} O {عليم} O. اهـ.

.سبب النزول:

قال القرطبي:
ذكر الطبريّ عن السُّدِّيّ أن السائل ثابتَ بن الدَّحْدَاح وقيل: أُسيد بن حُضير وعَبّاد بن بشر؛ وهو قول الأكثرين. وسبب السؤال فيما قال قَتَادة وغيرُه: أن العرب في المدينة وما والاها كانوا قد استنوا بسُنّة بني إسرائيل في تجنُّب مؤاكلة الحائض ومساكنتها؛ فنزلت هذه الآية. وقال مجاهد: كانوا يتجنّبون النساء في الحيض، ويأتونهنّ في أدبارهنّ مدّةً زمن الحيض؛ فنزلت. وفي صحيح مسلم عن أنس: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهنَّ في البيوت؛ فسأل أصحابُ النبيّ صلى الله عليه وسلم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المحيض قُلْ هُوَ أَذًى فاعتزلوا النساء فِي المحيض} إلى آخر الآية؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا كلَّ شيء إلاَّ النكاح» فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يَدَعَ من أمرنا شيئًا إلاَّ خالفنا فيه؛ فجاء أُسَيد بن حُضَيْر وعبّاد بن بشر فقالا: يا رسول الله، إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا نجامعهنّ؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ظننا أن قد وَجَد عليهما؛ فخرجا فاستقبلهما هدّيةٌ من لَبَنٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل في آثارهما فسقاهما؛ فعرفا أن لم يَجِدْ عليهما. قال علماؤنا: كانت اليهود والمجوس تجتنب الحائضّ؛ وكانت النصارى يجامعون الحُيَّض؛ فأمر الله بالقصد بين هذين. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الألوسي:

قال صاحب الانتصاف في بيان العطف والترك: إن أول المعطوفات عين الأول من المجردة، ولكن وقع جوابه أولًا بالمصرف لأنه الأهم، وإن كان المسؤول عنه إنما هو المنفق لا جهة مصرفه ثم لما لم يكن في الجواب الأول تصريح بالمسؤول عنه أعيد السؤال ليجابوا عن المسؤول عنه صريحًا، وهو العفو الفاضل فتعين إذًا عطفه ليرتبط بالأوّل، وأما السؤال الثاني من المقرونة فقد وقع عن أحوال اليتامى، وهل يجوز مخالطتهم في النفقة والسكنى فكان له مناسبة مع النفقة باعتبار أنهم إذا خالطوهم أنفقوا عليهم فلذا عطف على سؤال الانفاق، وأما السؤال الثالث فلما كان مشتملًا على اعتزال الحيض ناسب عطفه على ما قبله لما فيه من بيان ما كانوا يفعلونه من اعتزال اليتامى، وإذا اعتبرت الأسئلة المجردة من الواو لم تجد بينها مداناة ولا مناسبة ألبتة إذ الأول منها عن النفقة والثاني عن القتال في الشهر الحرام، والثالث عن الخمر والميسر وبينها من التباين. والتقاطع ما لا يخفى فذكرت كذلك مرسلة متقاطعة غير مربوطة بعضها ببعض، وهذا من بدائع البيان الذي لا تجده إلا في الكتاب العزيز. اهـ. ولا أرى القلب يطمئن به كما لا يخفى على من أحاط خبرًا بما ذكرناه فتدبر. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والباعث على السؤال أن أهل يثرب قد امتزجوا باليهود واستنوا بسنتهم في كثير من الأشياء، وكان اليهود يتباعدون عن الحائض أشد التباعد بحكم التوراة ففي الإصحاح الخامس عشر من سفر اللاويين إذا كانت امرأة لها سيل دمًا في لحمها فسبعة أيام تكون في طمثها وكل من مسها يكون نجسًا إلى المساء وكل ما تضطجع عليه يكون نجسًا وكل من مس فراشها يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجسًا إلى المساء وإن اضطجع معها رجل فكان طمثها عليه يكون نجسًا سبعة أيام. وذكر القرطبي أن النصارى لا يمتنعون من ذلك ولا أحسب ذلك صحيحًا فليس في الإنجيل ما يدل عليه، وإن من قبائل العرب من كانت الحائض عندهم مبغوضة فقد كان بنو سليح أهل بلد الحضْر، وهم من قضاعة نصارى إن حاضت المرأة أخرجوها من المدينة إلى الربض حتى تطهر وفعلوا ذلك بنصرة ابنة الضيزن ملك الحضْر، فكانت الحال مظنة حيرة المسلمين في هذا الأمر تبعث على السؤال عنه. اهـ.

.فوائد لغوية:

.قال ابن عادل:

{المحيض} فعل من الحيضِ، ويُرادُ به المصدرُ، والزمانُ، والمكانُ، تقولُ: حاضِت المرأَةُ تحيضُ، حَيضًا ومَحِيضًا، ومَحاضًا، فَبَنَوْه على مَفْعلٍ ومَفْعَل بالكَسرِ والفتحِ.
واعلم أنَّ في المَفْعَل مِنْ يَفْعِل بكسر العينِ ثلاثة مذاهب:
أحدها: أَنَّهُ كالصَّحيح، فتُفْتَحُ عينهُ مرادًا به المصدرُ، وتُكسَرُ مرادًا به الزَّمانُ والمكانُ.
والثَّاني: أَنْ يُتَخَيَّر بين الفتح والكسر في المصدرِ خاصَّةً، كما جاء هنا: المَحيضُ والمحَاضُ، ووجهُ هذا القول: أنَّهُ كثُر هذان الوجهان: أعني، الكسر، والفتح فاقْتَاسا.
والثالث: أَنْ يُقْتَصَرَ على السَّماعِ، فيما سُمِع فيه الكَسرُ، أو الفتحُ، لا يَتَعَدَّى. فالمحيضُ المُرادُ به المَصْدَرُ ليس بمقيسِ على المذهبين الأول والثالث، مقيسٌ على الثاني. ويقال: امرأَةٌ حائِضٌ ولا يقال: حائِضَةٌ إلا قليلًا، أنشد الفرَّاء: الطويل:
...................... ** كَحَائِضَةٍ يُزْنَى بِهَا غَيْر طَاهِرِ

وَالمَعْرُوفُ أَنَّ النَّحويين فَرَّقوا بين حائضٍ، وحائضةٍ: فالمُجرَّدُ من تاء التَّأنيث بمعنى النَّسَب، أي: ذاتُ حيضٍ، وإِنْ لم يكن عليها حَيْضٌ، والملتبسُ بالتَّاءِ لِمَنْ عليها الحَيْضُ في الحال، فيُحتمل أن يكونَ مرادُ الشاعر ذلك، وهكذا كُلُّ صفةٍ مختصةٍ بالمُؤَنّثِ نحو: طَامِث ومُرْضِ وشبههما.
قال القرطبيُّ: ويقال: نساءٌ حيض، وحوائض، والحَيضةُ: المرأَةُ الواحدة. والحِيضةُ بالكَسْر، الاسم والجمع الحيض، والحيضة أيضًا: الخرقةُ التي تَسْتَثْفِرُ بها المَرْأَةُ، قالت عَائِشَةُ: لَيْتَنِي كُنُتُ حِيْضَةٌ مُلْقَاةٌ وكذلك المَحِيضَةُ، والجمع: المَحائص.
وأصلُ الحَيض السَّيَلانُ، والانفجِارُ، يُقالُ: حَاضَ السَّيلُ وَفَاضَ، قال الفَرَّاءُ: حَاضَتِ الشَّجَرَةُ، أي: سال صَمْغُها، قال الأَزهرِيُّ: وَمِنْ هَذَا قيل لِلْحَوضِ: حَيْضٌ؛ لأَنَّ المَاءَ يسيلُ إليه والعربُ تُدْخِلُ الواو على اليَاءِ، وَالياءَ على الواوِ؛ لأَنَّهُما من حَيِّز واحدٍ، وهو الهواءُ.
ويقالُ: حاضت المرأةُ وتحيَّضَتْ، ودَرَسَتْ، وعَرَكت، وطَمِثت فهي حائضٌ، ودارِسٌ، وعارِكٌ، وَطَامِثٌ، وطَامِسٌ، وكَابِرٌ، وَضَاحِكٌ. قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يوسف: 31] أي: حضن، وقال تعالى: {فَضَحِكَتْ} [هود: 71].
قال مجاهد: أي: حاضَتْ ونافس أيضًا، والظَّاهر أن المحيض مصدرٌ كالحيضِ، ومثله: المَقِيلُ مِنْ قال يقِيلُ؛ قال الرَّاعِي: الكامل:
بُنِيَتْ مَرَافِقُهُنَّ فَوْقَ مَزَلَّةٍ ** لاَ يَسْتَطِيعُ بِهَا القُرَادُ مَقِيلاَ

وكذلك قال الطَّبريُّ: إِنَّ المَحِيضَ اسْم كالمَعِيشِ: اسمُ العَيْشِ؛ وأنشد لرؤبة: الرجز:
إِلَيْكَ أَشْكُو شِدَّةَ المَعِيشِ ** وَمَرَّ أَعْوَامٍ نَتَفْنَ رِيشِي

وقيل: المَحيضُ في الآية المُرادُ به: اسمُ موضعِ الدَّم، وعلى هذا فهو مقيسٌ اتِّفاقًا، ويؤيِّد الأَوَّل قوله: {قُلْ هُوَ أَذًى}. وقد يُجَابُ عنه بأنَّ ثَمَّ حذف مضافٍ، أي: هو ذُو أَذى، ويؤيِّدُ الثَّاني قوله: {فاعتزلوا النساء فِي المحيض}. ومن حَمَلَه على المَصْدَرِ قَدَّر هنا حَذْفَ مُضَافٍ، أي: فاعْتَزِلُوا وَطْءَ النِّسَاءِ في زَمَانِ الحَيْضِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ المَحِيضُ الأَوَّلُ مَصْدَرًا والثَّاني مكانًا.
حكى الواحديُّ في البسيط عن ابن السَّكِّيت: إذا كان الفعلُ من ذوات الثلاثة نحو: كَالَ يكيلُ، وحاضَ يحيض وأشباهه، فإِنَّ الاسم منه مكسور والمصدر مفتوح، مِنْ ذلك مالَ ممالًا، وهذا مميله يذهب بالكسر إلى الاسم، وبالفتح إلى المصدر، ولو فتحهما جميعًا، أو كسرهما جميعًا في المصدرِ والاسمِ لجازَ، تقول: المَعَاشُ، والمَعِيشُ، والمَغَابُ، والمَغِيبُ، والمَسَارُ والمَسِيرُ فثبت أَنَّ لفظ المحيض حقيقةٌ في موضع الحيض، وأيضًا هو اسمٌ لنفس الحيضِ.
قال ابن الخطيب: وعندي أَنَّهُ ليس كذلك؛ إذ لو كان المُرادُ بالمحيض هنا الحيض، لكان قوله تعالى: {فاعتزلوا النساء فِي المحيض} معناه: فاعتزلوا النِّساء في الحيض، ويكونُ المُرادُ: فاعتزلوا النساء في زمن الحيض، يكون ظاهره مانعًا من الاستمتاع بهنَّ فيما فوق السُّرَّة، ودون الرّكبة، ولما كان هذا المنعُ غير ثابت لزم القول بتطرُّق النَّسخ، والتَّخصيص إلى الآية، وهو خلاف الأصل، أما إذا حملنا المحيض على موضع الحيض؛ كان معنى الآية: فاعتزلوا النِّسَاءَ في موضع الحيض من النِّسَاء، وعلى هذا التَّقدير لا يتطرَّقُ إلى الآية نسخٌ، ولا تخصِيصٌ.
ومن المعلوم أَنَّ اللَّفْظ إذا كان مشتركًا بين معنيين وكان حمله على أحدهما يوجب محذورًا، وعلى الآخر لا يوجب ذلك المحذور، فإِنَّ حمل اللَّفظ على المعنى الَّذِي لا يُوجِبُ المحذورَ، أولى إذا سلَّمنا أَنَّ لفظ المحيض مشتركٌ بين الموضع، وبين المصَدرِ.
فإن قيل: الدَّليلُ على أَنَّ المُراد من المحيض الحيضُ قوله: {قُلْ هُوَ أَذًى}، ولو كانَ المُرَادُ الموضع لما صَحَّ هذا الوَصْفُ.
قلنا: بتقدير أَنْ يكون المحيض عبارة عن الحَيض، فالحيض نفسُهُ ليس بِأَذى لأن الحَيْضَ عبارةٌ عن الدَّمِ المخصوص، والأَذَى كيفيَّةٌ مخصوصَةٌ وهو عرض، والجسم لا يكُونُ نفس العرض فَلابد أَنْ يقُولُوا: المرادُ منه أَنَّ الحيض موصوف بكونه أذى، وإذا جاز ذلك فيجُوزُ لنا أيضًا أن نقول: إِنَّ المراد منه أنَّ ذلك المَوْضع ذو أذًى، وأيضًا لم لا يجوزُ أَنْ يكون المراد بالمحيض الأَوَّل الحيض، وبالمحيض الثَّاني موضع الحيضِ كَمَا تقدَّمَ وعلى هذا فيزولُ الإِشكالُ. اهـ.